الحمد لله وكفى ، وسلام على عباده الذين اصطفى :
إخواني الكرام : سأبدأ معكم بإيجاز شديد حول الطريقة التي بدأتُ بها مع القرآن الكريم حفظاً وتجويداً، والخطوات والإرشادات التي ينبغي الأخذ بها إن أردتَ أن تكون ماهراً بالقرآن، وليكن الحوار بيني وبينك على طريقة السؤال والجواب ، والله الهادي إلى الرشد والرشاد :
س: ماالوقت المناسب والأفضل في حفظ القرآن الكريم ؟
ج : بعد (صلاة الفجر) إذ يكون الذهن في قمة الصفاء والنقاء .
س : مالخطوات الأولى على مائدة القرآن الكريم وعلومه ؟
ج : الامتثال بصفات عديدة، من أهمها :
حب وصبر وإتقان وشوق ... وطاعة رب وصحبة شيخ ... مع الحرص والإنصاف وحُسْن الأدب .
وسوف نشرح هذه الصفات في نهاية الكتاب .
س : من أين أبدأ حفظ القرآن ؟
ج : أوصي بحفظ السور الميسَّرة والسهلة، والتي كَـثُرَ استماعها، وذلك نحو: (الكهف-يوسف – مريم – ياسين – الواقعه – الرحمن – جزء عم – تبارك )ثم ابدأ في منهج منظم في الحفظ والمراجعة .
س : ما عدد الآيات التي أحفظها ؟
ج : حدد لنفسك جزءاً تحفظه يتناسب مع قدرتك وطاقتك ، وإني أقول : ينبغي أن يكون أقلّ من قدرتك، وليته كان قليلاً جداً، لتشعر بالراحة النفسية من قلة الواجب عليك .
س : وكم يوماً في الأسبوع أحدده لحفظ القرآن ؟
ج : يومان فقط لاغير ، وإن أردتَ الزيادة فثلاثة أيام فقط ولاتزد .
س : وكيف أحفظ الجزء المقرر عليّ ؟
ج : أولاً : تسمع الآيات من شيخك المجيد المتقن الحافظ الماهر .
ثانياً : تردد خَلْف شيخك، وحاول أن تحاكيه في قراءته .
ثالثاً : استمع للآيات مرة أخرى بصوت الشيخ/ محمود خليل الحصري، أو الشيخ / محمد صديق المنشاوي .
هذا ما كنتُ أفعله بالضبط ، وإن أردتَ غيرهما فلك هذا شريطة الإتقان .
رابعاً : احفظ الآية الأولى ، ولا تنتقل للثانية إلا إذا أتقنت الأولى ، ثم أتقن الثانية ، ولاتنتقل للثالثة إلا إذا أتقنت الثانية، ثم راجع الأولى والثانية، وهكذا إلى أن تنتهي من الصفحة التي تحفظها .
خامساً : ثم راجع ماحفظته مع آذان كل فريضة ،،، ومعنى ذلك أن تراجعه مع آذان الظهر والعصر والمغرب والعشاء وقبل النوم .
وإذا فاتك مراجعة المحفوظ مع آذان الظهر ، فراجعه مرتين مع آذان العصر وهكذا ...
وتقسم بالله على نفْسك لتفعلنَّ ذلك لتجبرها .
سادساً : في ا ليوم التالي مراجعة ماحفظته بالأمس القريب مع آذان كل فريضة وقبل النوم .
سابعاً : لو كنتَ إماماً فصلِّ بما تحفظه ، وإلا فعليك بالنوافل ، وقيام الليل
ثامناً: الاشتراك في جميع المسابقات المحلية والدولية، واجعل المركز الأول نصب عينيك ، ودع عنك التفكير في المركز الثاني والثالث ، والرضا بالمؤخرة ، فإن الرضا بالمؤخرة سبيل الفشل .
تاسعاً : اتخذ لك صديقا مخلصاً إذا ذكرت الله أعانك ، وإذا نسيت الله ذكَّرك ، هذا الصديق يُسمِّع عليك، وتحدَّاه أنك لن تخطأ إلا أخطاء يسيرة ، فالمرة الأولى سـمَّعتُ القرآن وأخطأت (45) خطأ ، وهذا مع الأخ الأستاذ / أحمد إبراهيم، والمرة الثانية مع الأستاذ/ خلف عبد الجواد، وأخطأت حينئذ (10) أخطاء . ثم راجعته مرة أخرى فكادت الأخطاء أن تتلاشى نهائياً .
عاشراً: اعرف مواضع الآيات التي تخطأ فيها ، ثم اكتبها بخط يدك ، وراجعها مرة أخرى .
* احفظ من مصحف واحد ولا تغـيّـره أبداً ، ليطبع رسم المصحف في ذهنك .
* إن استطعتك أن تكتب الصفحة التي حفظتها في ورقة خارجية كما هي مرسومة في المصحف فافعل ، فهذا فيه خير عظيم .
يوم الخميس من كل أسبوع : تأتي بذِكْر وكتابة أسماء بعض الأنبياء والمرسلين ، ثم تكتب السورة التي تحدثت عنهم بشيء من التفصيل ، ثم تُسمِّع قصة كل نبي في كل سورة ، وتنبه لمواضع المتشابهات فيها، مثال ذلك :
آدم : البقرة- الأعراف - الحجر - الإسراء - الكهف - طه – ص.
نوح : الأعراف – يونس – هود – المؤمنون – الشعراء – القمر.
هود : الأعراف – هود – الشعراء - القمر.
صالح: الأعراف – هود – الحجر - الشعراء - القمر.
لوط : الأعراف-هود-الحجر - الشعراء - النمل – العنكبوت- القمر.
شعيب : الأعراف-هود-الشعراء – العنكبوت .
إبراهيم : هود- الذاريات – الشعراء – الحجر - العنكبوت.
موسى : تقوم بمراجعة قصته في الأعراف من قوله : ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﮊ ...... إلى قوله : ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮊ..
مع مراجعة قصته في : يونس - طه - النمل – القصص – الشعراء .
فهذه الطريقة إن اتبعتها فستجد خيراً عظيماً .
س : وكم أراجع يومياً بعد إتمام الحفظ ؟
ج : ينبغي أن تراجع (3) أجزاء يومياً ، وحينئذ في كل شهر (3) ختمات، هذا لمدة سنة، ثم تقرأ جزءاً في كل يوم في السنة التالية ولا تنقص عن ذلك أبداً .
فإذا كنت مرهقاً بكثرة الأعمال، وأحاطت بك بعض الظروف العسيرة ، وكثرت الشواغل عليك، فلا يمر عليك اليوم إلا وتراجع نصف جزء .
أقول ذلك وأنا غير راض عن مراجعة نصف جزء يومياً .
- إذا فاتك الوِرْد اليومي في المراجعة، فعليك بمراجعته في اليوم التالي .
-راجع دائماً قبل ذهابك للعمل حتى تنتهي من وِرْد المراجعة، لأن مشاغل اليوم قد تنسيك المراجعة .
- عاهد ربك بأن تمتثل بكل آية تقرؤها ﮋ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮊ .
- افهم متشابه القرآن جيداً من خلال كتابي ( اللطائف الحسان في متشابة القرآن)- مطبوع في وزارة الأوقاف بالكويت
* حاول أن تفهم ما تحفظه ، واجعل التفسير دائماً معك ، فكنتُ منذ الصغر أقرأ في تفسير (صفوة التفاسير) للشيخ/ محمد على الصابوني ، ثم تفسير السعدي، ثم هداني الله بتوفيقه وفضله إلى تفسير جعلني أقرأ القرآن كأنه أمام عيني ، جعلني أفهم ترابط الآيات وكأنها عقد نضيد ، وبالجملة شعرتُ بأني كنتُ محروماً حرماناً عظيماً من فهم القرآن الكريم حتى هداني الله إليه .
تفسيراً : أقرأه مرات ومرات ومرات ومرات، وفي كل مرة أجد فيه جديداً .
تفسيراً : كلما أصابني همّ وغم قرأت فيه فأجد الاطمئنان يسري في قلبي.
تفسيراً : إذا لم أقرأ فيه (يوماًً) أشعر بأن اليوم ضاع مني ولم أستفد منه شيئاًً.
تفسيراً : يحتاج قارئه إلى قلب حي – ومشاعر وأحاسيس فياضه ، وإلى روح عالية.
تفسيراً : لا يقرأه إلا كل محب لشرع الله ، غيور على أمته التي أصبحت في ذيل الأمم .
تفسيراً : يحتاج قارئه لأن يكون قلبه لله ومع الله وفي الله ، لايقبل تمييعاً ، ولا مداهنة، ولا لياً بلسانه ، وأقواله ، وأفعاله .
تفسيراً : لا أعرف كيف كتبه صاحبه ؟ !
تفسيراً : جعل كل مَن أتى بعده يغترف منه ، وفي رأيي : هو تفسير يغني عن غيره ، ولا يغني غيره عنه .
تفسيراً : عاشه صاحبه بروحه وفكره وشعوره وكيانه كله ..
تفسيراً : عاشه لحظة لحظة، وفكرة فكرة، ولفظة لفظة.
تفسيراً : أودعه صاحبه خلاصة تجربته الحية في عالم الإيمان .
- ثم بعد إتقان رواية " حفص عن عاصم " أقبل على القراءات العشر المتواترة، وتبدأ بفهم وإتقان ( الشاطبية والدُّرَّة )، ثم إتقان ( الطيبة) طيَّب الله قلبي وقلبك وجمعني وإياك في الجنة.
ومـن آداب أهـل القرآن
قال الإمام أبو بكر الآجري -رحمه الله- وهو يتحدث عن أخلاق أهل القرآن :
ينبغي أن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، يعمر به ما خرب من قلبه، يتأدب بآداب القرآن، ويتخلق بأخلاق شريفة يتميز بها عن سائر الناس ممن لا يقرأ القرآن.
وأول ما ينبغي له أن يتحلى به تقوى الله في السرِّ والعلانية، باستعمال الورع في مطعمه ومشربه ومكسبه، وأن يكون بصيراً بزمانه وفساد أهله، فهو يحذرهم على دينه، مقبلاً على شأنه، مهموماً بإصلاح ما فسد من أمره، حافظاً للسانه، مميزاً لكلامه، قليل الخوض فيما لا يعنيه، يخاف من لسانه أشد مما يخاف من عدوه، يحذر نفسه أن تغلبه على ما تهوى مما يسخط مولاه، يتصفح القرآن ليؤدب به نفسه، همته إيقاع الفهم لِـمَا ألزمه الله من اتباع ما أمر والانتهاء عما نهى، ليس همه متى أختم السورة؟ بل همه متى أستغني بالله عن غيره؟ متى أكون من المتقين؟ متى أكون من المحسنين؟ متى أكون من المتوكلين؟ متى أكون من الخاشعين؟ متى أتوب من الذنوب؟ متى أعرف النعم المتواترة؟ متى أشكره عليها؟ متى أعقل عن الله الخطاب؟ متى أفقه ما أتلو؟ متى أستحي من الله حق الحياء؟ متى أشتغل بعيـبي ؟ متى أصلح ما فسد من أمري؟ متى أحاسب نفسي؟ متى أتزود ليوم معادي؟ متى أتأهب ليوم موتي وقد غُيِّب عني أجلي؟ متى أعمر قبري؟ فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض القرآن فكان كالمرآة يرى بها ما حَسُن من فعله وما قبح، فما حذَّره مولاه حذره، وما خوَّفه به من عقابه خافه، وما رغَّبه فيه مولاه رغِب فيه ورجاه، فمن كانت هذه صفته، أو ما قارب هذه الصفة، فقد تلاه حق تلاوته، ورعاه حق رعايته، وكان له القرآن شاهداً وشفيعاً وأنيساً، مَنْ كان هذا وصفه نفع نفسه، ونفع أهله، وعاد على والديه وعلى ولده كل خير في الدنيا والآخرة.
وقال الإمام القرطبي: ينبغي لحامل القرآن أن يكون لله حامداً، ولنعمه شاكراً، وله ذاكراً، وعليه متوكلاً، وبه مستعيناً، وإليه راغباً، وبه معتصماً، وللموت ذاكراً، وله مستعداً.
آداب المقرئ
قال فضيلة الشيخ العلامة / علي بن محمد الضبّاع رحمه الله :
ويجب عليه أن يخلص النية لله تعالى، ولا يقصد بذلك عرضاً من أعراض الدنيا، وينبغي له أن يتخلق بالأخلاق الحميدة المرضية، من الزهد في الدنيا، والتقلل منها، وعدم المبالاة بها وبأهلها، والسخاء، والحلم، والصبر، ومكارم الأخلاق، وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، وملازمة الورع، والخشوع، والسكينة، والوقار، والتواضع، والخضوع، وأن ينـزِّه نفسه عن الرياء، والحسد، والحقد، والغيبة، واحتقار غيره وإن كان دونه، ومن العُجب، وقَلَّ مَنْ يسلم منه، وأن يصون بصره عن الالتفات إلا لحاجة، ويديه عن العبث بهما إلا لضرورة، وأن يزيل نتن إبطيه وما له رائحة كريهة به، ويمس من الطيب ما يقدر عليه، وأن يكون ساكن الأطراف، متدبراً في معاني القرءان، فارغ القلب من الأسباب الشاغلة، إلا إذا احتاج إلى إشارة للقارئ، فيضرب بيده الأرض ضرباً خفيفاً، أو يشير بيده أو برأسه ليفطن القارئ إلى ما فاته، ويصبر عليه حتى يتذكر، وإلا أخبره بما ترك، وأن يحسن هيئته، ولتكن ثيابه نظيفة، وليحذر من الملابس المنهي عنها، ومما لا يليق بأمثاله، وأن يراقب الله – تعالى - في سره وعلانيته، وأن لا يقصد التكثر بكثرة المشتغلين عليه.
ويستحب له أن يوسِّع مجلسه ليتمكن جلساؤه فيه، ويظهر لهم البشاشة، وطلاقة الوجه، ويتفقد أحوالهم، ويسأل عمن غاب منهم، ويسوِّي بينهم.
وينبغي له أن يرفق بمن يقرأ عليه، ويرحّب به، ويحسن إليه بحسب حاله، ويكرمه وينصحه، ويرشده إلى مصلحته، ويساعده على طلبه بما أمكن، ويؤلّف قلبه، ويتلطف به، ويحرّضه على التعليم، ويذكِّره فضيلة الاشتغال بقراءة القرءان، وسائر العلوم الشرعية ليزداد نشاطه ورغبته، ويزهده في الدنيا، ويصرفه عن الركون إليها، والاغترار بها، ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه، والاهتمام بمصالحه، والصبر على جفائه، وسوء أدبه، ولا يكره قراءته على غيره ممن ينتفع به، ولا يتعاظم عليه، بل يلين ويتواضع معه، ويحب له ما يحب لنفسه من الخير، ويكره له ما يكره لنفسه من النقص، ويؤدبه على التدريج بالآداب الشرعية، والشيم المرضية، ويعوده الصيانة في جميع أموره، ويحرّضه على الإخلاص، والصدق، وحسن النية، ومراقبة الله – تعالى - في جميع حالاته، وأن يحرص على تعليمه، مؤثراً ذلك على مصالح نفسه الدنيوية غير الضرورية، ويحرص على تفهيمه، ويعطيه ما يليق به، ويأخذه بإعادة محفوظاته، ويثني عليه إذا ظهرت نجابته ما لم يخش عليه فتنة بإعجاب أو غيره، ويعنّفه تعنيفاً لطيفاً إذا قَصَّر ما لم يخش تنفيره، وينبغي ألا يمتنع من تعليم أحد لكونه فاسد النية.
آداب القارئ
قال الشيخ الضبّاع: والمتعلم يجب عليه أن يخلص نيته، ثم يَجدُّ في قطع ما يقدر عليه من العلائق والعوائق الشاغلة له عن تمام مراده، وليبادر في شبابه وأوقات عمره للتحصيل، ولا يغتر بخدع التسويف، فإنه آفة الطالب، ولا يستنكف عن أحد وجد عنده فائدة، وليقصد شيخاً كملت أهليته وظهرت ديانته، جامعاً للشروط المتقدمة أو أكثرها، وليطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول القرءان وحفظه واستثماره، وليكن حريصاً على التعلم، ولا يحمل نفسه ما لا يطيق، وليبكِّر بقراءته على شيخه، وليحافظ على تعاهد محفوظاته، ولا يعجب بنفسه، ولا يحسد أحداً من رفقته أو غيرهم على فضيلة رزقه الله إياها، ويجب عليه أن يحترم شيخه، ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على نظرائه، ويلزم معه الوقار والتأدب والتعظيم، ويتواضع له وإن كان أصغر منه سناً وأقل شهرةً ونسباً وصلاحاً، ولا يأخذ بثوبه إذا قام، ولا يلح عليه إذا كسل، ولا يشبع من طول صحبته، ويقعد بين يديه قعدة المتعلمين لا قعدة المعلمين، ولا يشيرنَّ بيده، ولا يغمزن غيره بعينه، ولا يدخل عليه بغير استئذان، ولا يفشي له سراً، ولا يقول: قال فلان خلاف قولك، ويرد غيبته إذا سمعها إن قدر، فإن تعذر عليه ردّها قام وفارق ذلك المجلس، ولا يتخطى رقاب الناس، بل يجلس حيث انتهى به المجلس، وليتأدب مع رفقته وحاضري مجلس شيخه، ولا يرفع صوته رفعاً بليغاً، ولا يكثر الكلام إلا لحاجة، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً بلا حاجة، بل يتوجَّه إلى الشيخ ويصغي لكلامه، ولا يغتاب عنده أحداً، ولا يشاور أحداً في مجلسه، ولا يقرأ عليه في حال شغله وملله وغمه وجوعه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك مما يشق عليه، أو يمنعه من كمال حضور القلب ونشاطه، وإذا وجده نائماً أو مشتغلاً بمهم فليصبر إلى استيقاظه أو فراغه أو ينصرف، وإذا جاء إليه فلم يجده انتظره ولا يفوّت وظيفته إلا أن يخاف كراهة الشيخ لذلك بأن يعلم من حاله الإقراء في وقت بعينه دون غيره. وفي هذا القدر كفاية، وبالله التوفيق .
قلتُ: وينبغي تحسين الصوت بالقرءان وترك الغلو في حروفه وألفاظه.
قال ابن رشد: الواجب أن ينـزِّه القرءان عما يؤدي إلى هيئة تنافي الخشوع، ولا يقرأ إلا على الوجه الذي يخشع منه القلب، ويزيد في الإيمان، ويشوق فيما عند الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما: تزيين الصوت بالقرءان هو التحسين والترنم بخشوع وحضور قلب، لا صرف الهمّة إلى ما حجب به أكثر الناس بالوسوسة في خروج الحروف، وترقيقها وتفخيمها، وإمالتها، والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط، وشغله بالوصل والفصل، والإضجاع والتطريب وغير ذلك مما هو مفض إلى تغيير كتاب الله والتلاعب به، حائل للقلوب، قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه، ومَنْ تأمَّل هدي رسول الله r، وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم، تبيَّن له أن التنطع بالوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته .
وقال ابن قتيبة: وقد كان الناس يقرؤون القرءان بلغاتهم، ثم خلف من بعدهم قوم من أهل الأمصار وأبناء الأعاجم فهفوا وضلوا وأضلوا، وأما ما اقتضته طبيعة القارئ من غير تكلف فهو الذي كان السلف يفعلونه .
وقال الإمام الذهبي: القراءة المجوَّدة التي فيها تنطع وتحرير زائد، تؤدي إلى أن
المجوِّد القارئ يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف، والتنطع في تجويدها،
بحيث يشغله ذلك عن تدبر كتاب الله، ويصرفه عن الخشوع في التلاوة .
وقال الإمام أبو عمرو الداني: التحقيق الوارد عن أئمة القراءة حده أن يوفِّي الحروف حقوقها من المد والهمز والتشديد والإدغام والحركة والسكون والإمالة والفتح إن كانت كذلك، من غير تجاوز ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف.
وجاء رجل إلى سليم بن عيسى – تلميذ الإمام حمزة – فقال: جئتك لأقرأ عليك التحقيق، فقال سليم: يا ابن أخي، شهدت (حمزة) وأتاه رجل في مثل هذا فبكى وقال: يا ابن أخي، إن التحقيق صون القرءان، فإن صنته فقد حققته .
- وأخيراً : أوصيك بأن تبدأ بأول خطوة ، ودع عنك وساوس وهمزات الشياطين ، وكن صاحب همة قوية ، وعزيمة صادقة .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
تأليـف
قدري بن محمد بن عبد الوهَّـاب
الباحث الإعلامي
بإدارة الدراسات الإسلامية